في عصر المعلومات الذي نعيشه، تُعد قدرتنا على الاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها عند الحاجة من أهم المهارات التي يمكننا تطويرها.
كطالب في يوم من الأيام، واجهت الصعوبات ذاتها، حيث كان السعي لتحقيق التفوق الدراسي يبدو أشبه بماراثون مستمر.
وكطبيب الآن، أعلم جيدًا كيف أن تطوير مهارات جديدة والحفاظ على المعلومات يمكن أن يكون له تأثير جوهري على مسيرتي المهنية.
في رحلتي، استكشفت العديد من الطرق التقليدية والحديثة لتحسين الذاكرة، ولكن السؤال الذي كان يدور في ذهني دومًا كان: “كيف يمكن تعزيز الذاكرة طويلة الأمد بطرق تستند إلى أسس علمية؟”
لذا، في هذا المقال، سأشارككم نتائج مسيرتي الشخصية في التنقيب عن الأساليب العلمية الموثوقة التي تمكننا من تعزيز وتطوير ذاكرتنا طويلة الأمد.
سأقدم لكم خلاصة تجربتي مع استراتيجيات مثل التكرار المتباعد والاسترجاع النشط، إلى جانب فوائد تطبيق الخرائط الذهنية، مستعرضًا كيف أسهمت هذه الأساليب في تعميق فهمي وترسيخ المعارف في ذهني.
سأستعرض أيضًا كيف ساعدتني هذه التقنيات في تحويل التعلم إلى رحلة ممتعة مليئة بالإنجاز، وأهم من ذلك كله، كيف لعبت دورًا محوريًا في رفع درجاتي الأكاديمية وتحقيق التميز في الاختبارات.
فلنبدأ على بركة الله .
بداية ما هي انواع الذاكرة في الدماغ ؟
لقد كتبت مقالا بعنوان 👈🏻 أنواع الذاكرة في الدماغ – الذاكرة طويلة المدى والذاكرة القصيرة المدى ( دليلك الكامل ) يتحدث عن كل الانواع .
لكن هذا تلخيص بسيط :
الذاكرة الحسية: هي كاللقطة السريعة لما نشعر به من حواسنا، مثل لمحة بصرية عابرة أو صوت نسمعه للحظة.
الذاكرة قصيرة المدى (أو الذاكرة العاملة): تشبه قطعة الطاولة الصغيرة حيث نضع المعلومات التي نحتاجها فورًا، مثل رقم هاتف نحاول حفظه لبضع دقائق.
الذاكرة طويلة المدى: هي كالمكتبة الضخمة التي تخزن المعلومات لفترات طويلة، وتشمل كل ما تعلمناه وتجاربنا الشخصية
والذاكرة طويلة المدى هي المخزن الذي نعتمد عليه عندما نجلس لتقديم الامتحانات.
تخيلها كمكتبة ضخمة داخل الدماغ حيث كل المعلومات التي تعلمتها – من حقائق ومفاهيم وعمليات ومعلومات قد درستها وحفظتها – مرتبة بعناية على الرفوف
عندما تُطلب منك إجابة سؤال في الامتحان، تبحث في هذه المكتبة لتجد المعلومة المطلوبة وتسترجعها.
وهذا ما سنركز عليه في هذا المقال .
كيف تعمل الذاكرة طويلة الأمد مع الأجزاء الاخرى من الذاكرة ؟
العملية تبدأ بالمعلومات الحسية التي نتلقاها من العالم من حولنا ( مثل المعلومات الدراسية )، والتي تُفلتر عبر الانتباه أو ( التركيز ) الذي يقوم باختيار جزء صغير فقط من هذه المعلومات ليتم معالجته.
تدخل هذه المعلومات إلى الذاكرة العاملة، حيث قدرتها محدودة بعدد قليل من الوحدات أو ‘القطع’. ( اي الذاكرة قصيرة المدى )
من هنا، يتم ترميز بعض هذه القطع ليتم تخزينها في الذاكرة طويلة الأمد , والتي لها القدرة النظرية على التخزين غير المحدود.، عن طريق عملية التشفير , وأي مشكلة في مرحلة التشفير لن تتخزن المعلومات في الذاكرة طويلة المدى.
أو سيتم تخزينها وهي معطوبة .
هذه العملية تتضمن مراحل التشفير، الاسترجاع، والنسيان، الذي يمكن أن يحدث بسبب الضمور أو الازاحة في الذاكرة العاملة، أو التداخل في الذاكرة طويلة الأمد.
اذا لم نقم بعملية التشفير سوف ننسى المعلومات
واذا لم نقم بعملية الاسترجاع سوف ننسى المعلومات
والذي سوف نتكلم ونركز عليه هو الاسترجاع , والتشفير نكلمنا هنه في مقالات اخرى .
اذا ما هو الاسترجاع ؟
الاسترجاع هو عملية استدعاء المعلومات من الذاكرة لاستخدامها في الوقت الحالي. في سياق الدراسة والتعلم، الاسترجاع يتضمن إعادة استحضار المفاهيم والحقائق والمعلومات التي تعلمتها سابقًا وجلبها إلى ذاكرتك العاملة او الذاكرة قصيرة المدى أو إلى وعيك لتطبيقها في موقف ما، مثل إجابة سؤال في الامتحان.
تأثير الاسترجاع قوي جدًا في تعزيز الذاكرة طويلة المدى. القيام بعملية الاسترجاع بشكل متكرر يساعد على ترسيخ المعلومات في الدماغ، مما يجعلها أكثر سهولة في الاسترجاع مستقبلاً. هذا النشاط لا يعزز فقط القدرة على تذكر المعلومات، بل يحسن أيضًا الفهم العميق للمادة ويساعد على تطوير مهارات التفكير النقدي والتطبيق العملي للمعرفة.
وهذا بالضبط ما نحتاجه , اليس كذالك ؟
اذا كيف يمكننا تطبيق الاسترجاع بفاعلية وبأفضل طريقة ممكنة ؟
1- عن طريق التكرار المتباعد (Spaced Repetition): يتضمن مراجعة المعلومات على فترات متباعدة لتعزيز القدرة على استرجاع المعلومات. *
وقد شرحته في مقال 👈🏻 : طريقة للحفظ بسرعة وعدم النسيان | شرح التكرار المتباعد .
2- الاسترجاع النشط (Active Recall): محاولة استرجاع المعلومات من الذاكرة بشكل نشط دون الرجوع إلى المصدر
وهذا ايضا شرحته في مقال 👈🏻 أفضل طريقة للمذاكرة | طريقة المذاكرة الصحيحة باستخدام ال Active Recall
3- (Teaching Others): عند تدريس مادة لشخص آخر، يتعين عليك استرجاع المعلومات، مما يعزز قدرتك على الاسترجاع في المستقبل. *
وهنا طبيق عملي على طريقة العالم الحائز على جائزة نوبل *richard feynman * وتسمى طريقته بطريقة ب *feynman study technique*
والتي تنص على الاتي :
اختيار الموضوع: حدد الموضوع الذي ترغب في تعلمه واستيعابه بعمق.
- الشرح ببساطة: حاول شرح الموضوع بطريقة بسيطة، كما لو كنت تشرحه لطفل في الثانية عشر من عمره. استخدم لغتك الخاصة لجعل المفاهيم أكثر وضوحًا وسهولة.
- التأمل والتبسيط: بعد الشرح، قيّم مدى فهمك للموضوع. حدد الأخطاء أو النقاط التي واجهت صعوبة في شرحها، ثم قم بتنقيحها وتبسيطها لتحسين فهمك.
- التنظيم والمراجعة: أعد النظر في شرحك، راجع الأجزاء التي قمت بتحسينها، وحاول شرح الموضوع مرة أخرى لتعزيز استيعابك.
باختصار، عند دراسة أي موضوع، من المهم ليس فقط الانتهاء منه، بل أيضًا تسميعه وصياغته بلغة بسيطة وواضحة. تذكر دائمًا أن الفهم العميق يتطلب جهدًا وممارسة في الدراسة، وليس فقط قراءة المادة.
وهذا ما نحاول تجنبه , وخذها قاعدة ” بدون بذل جهد اثناء الدراسة لا يوجد تحويل للمعلومات الى الذاكرة طويلة الامد” .
اي ببساطة عند دراسة اي موضوع , وعند الانتهاء منه قم بتسميعه وصياغته بلغة بسيطة غير معقدة .
لا تكفي فقط القرائة ..
4– الاختبار الذاتي (Self-Testing): يُعد التحقق من الفهم والمعرفة من خلال الاختبارات الذاتية وسيلة فعالة لتحسين الاسترجاع , لانك اثناء حلك لسؤال معين تقوم باسترجاع المعلومة من الدماغ لتستطيع معرفة الجواب الصحيح .
وهو واحد من اسرار النجاح في كلية الطب .
وحتى في اختبارات البورد الامريكي الطبية واختبارات التخصص .
وحل الأسئلة يعد أداة فعالة في تحسين قدرة الاسترجاع للمعلومات، حيث يشجع على تطبيق وتكرار المعلومات بطريقة نشطة، مما يعزز الفهم العميق والذاكرة طويلة الأمد. إنه وهو يربط بين المعلومات التي تعلمتها والتطبيق العملي لهذه المعلومات عن طريق الأسئلة ، مما يساهم في بناء أساس علمي متين ومتكامل.
اي انه ببساطة : عندما تقوم بقرائة وحفظ موضوع معين وتحويله الى الذاكرة طويلة الامد , فهذه تعتبر الخطوة الاولى
ومن ثم قم بتوظيفه ( اي المعلومات ) بالنمط الذي سوف تراه في الاختبار او الذي سوف تسأل منه وهي حل الأسئلة
لانه في الاختبارات لن يكون هنالك اجابات مباشرة , مئة بالمئة كالمعلومات التي حفظتها .
اذا ما هي أفضل طريقة لتطبيق التكرار المتباعد للمعلومات ؟
من واقع تجربتي , افضل طريقة هي استخدام تطبيق أنكي .
مراجعة كل المعلومات لفترات متباعدة بدون استخدام اي تطبيق او اي اداة مساعدة أنا شخصيا اعده امرا شبه مستحيل .
لماذا ؟؟
لأن العقل البشري يتبع منحنى النسيان، والذي يوضح أن المعلومات تُفقد بمرور الوقت إذا لم يتم مراجعتها بشكل منتظم وفعال.
دون استخدام تطبيق أو أداة مساعدة، من الصعب للغاية تتبع أي معلومات تحتاج إلى مراجعة ومتى.
الأدوات التعليمية مثل التطبيقات تستخدم خوارزميات مصممة لتحسين توقيت المراجعة، مما يساعد على تعزيز الذاكرة والحفاظ على المعلومات لفترة أطول.
بدون هذه الأدوات، يتوجب على المرء الاعتماد على الذاكرة والانضباط الذاتي وحدهما وهذا هو الجزء الصعب في الموضوع ١! الاعتماد على النفس بشكل كلي .
وفلسفتي هي انني اضع المعلومات في تطبيق أنكي , ومن ثم لا اتوتر ولااقلق , هل سأتذكر المعلومة ام لا .
أقوم بتسليم المهمة الى تطبيق أنكي 🙂 .
هو سيخرج لي المعلومات في الوقت المناسب لكي ارجعها وأطبق التكرار المتباعد .
تمام , اذا ما هو تطبيق أنكي ؟
“أنكي” هو كلمة يابانية تعني “الحفظ”.
وفقاً للمطور داميان إلمز، تم استخدام الاسم لأول مرة للبرنامج في أكتوبر 2006.
كأداة تعليمية، يتيح لك البرنامج إنشاء نسخة رقمية من بطاقات التعلم لتعرض متكرر للمعلومات.
ما الذي يجعل استخدام البرنامج مختلفاً عن التعلم الروتيني؟
بكلمة واحدة: لديه خوارزمية تحاكي في الأساس صندوق ليتنر أو leitner system , ولهذا السبب يستخدمه أغلب طلاب الطب أثناء دراستهم ,ومنهم أنا طبعا.
ما هو ال leitner system ?
نظام لايتنر، الذي طوره العالم الألماني سيباستيان لايتنر، هو طريقة فعالة للمراجعة وتعزيز الذاكرة باستخدام بطاقات التعليم.
يقوم هذا النظام على مبدأ التكرار المتباعد، حيث يتم توزيع البطاقات في عدة صناديق بناءً على مدى صعوبة تذكر المعلومات الموجودة عليها.
عندما تتمكن من تذكر بطاقة بشكل صحيح، تنتقل إلى الصندوق التالي الذي يتطلب مراجعة أقل تكرارًا.
إذا فشلت في تذكر البطاقة، تعود إلى الصندوق الأول. هذه الطريقة تساعد على تعزيز الذاكرة وتقليل الحاجة إلى إعادة تعلم المعلومات من جديد، مما يجعلها أداة مثالية للتعلم والمراجعة الفعالة. ( وهذا بالطبع طريقة عمل خوارزمية تطبيق أنكي) .
قد شرحت تطبيق أنكي وكيفية استخدامه في هذا المقال 👈🏻 شرح تطبيق انكي – دليلك الشامل لمعلومات بلا نسيان ( الفلاش كارد )
ملخص كيف تقوي الذاكرة طويلة الأمد: ما تقوله الأبحاث العلمية
هاقد وصلنا إلى نهاية هذا المقال. نأمل أن تكونوا قد وجدتم في سرد تجربتي الشخصية والاستراتيجيات التي عرضتها مصدر إلهام ومعرفة قيمة.
من خلال تجربتي كطالب وطبيب، أستطيع القول بثقة إن تعزيز الذاكرة طويلة المدى ليس مجرد هدف أكاديمي، بل هو جزء لا يتجزأ من تطوير الذات وتحقيق النجاح في جميع جوانب الحياة. الأساليب العلمية مثل التكرار المتباعد، الاسترجاع النشط، واستخدام الخرائط الذهنية، كانت لها الأثر البالغ في تعزيز قدراتي الذهنية وتحقيق التفوق.
وبينما نختتم هذه الرحلة المعرفية، أود أن أشجع كل قارئ على اتخاذ خطوة نحو تحسين ذاكرته. قد يبدو الطريق طويلاً وشاقًا في بعض الأحيان، لكن بالصبر والممارسة المستمرة، ستتمكنون من تحقيق نتائج ملموسة ومؤثرة.
تذكروا دائمًا أن العقل كالعضلة، يزداد قوةً وكفاءةً مع التمرين والتحدي. فلنستمر في التعلم والتطور، ونجعل من تعزيز الذاكرة طويلة المدى جزءًا أساسيًا من رحلتنا نحو النجاح والتميز.
بارك الله فيكم، وإلى لقاء قريب في مقالات أخرى تثري معرفتنا وتنير طريقنا.
اذا اعجبتك المقالة وحققت لك الفائدة لا تنسى مشاركتها مع اصدقائك .
و لا تنسانا من صالح دعائك.
وايضا لا تنسى الاشتراك في قناتي على اليوتيوب من هنا حيث أشارك فيها مواضيع عديدة في تنظيم الوقت والدراسة.